تقع حلب
في شمال سورية،
وتبعد حوالي 100 كم
عن الساحل الشرقي للبحر
الأبيض المتوسط وحوالي
50 كم عن الحدود التركية
إلى الشمال.
إن مدينة
حلب القديمة، التي
تنتنشر على مساحة
355 هكتار، وقلعتها
الشهيرة هما دلالة
معبرة عن توطنٍ
لمجتمع إسلامي رَغِدِ و
فيها أكثر من
150 أثرًا
هامًا تمثل مختلف
الحضارات الإنسانية
والعصور. علاوة على
ذلك فإن المدينة
تزخر بأنماط معمارية غربية
ووافدة من أوائل
ومنتصف القرن العشرين.
لقد خلق هذا المزيج
فسيفساء حضارية فريدة
ذات قيمة عالمية
تاريخياً وفنياً وعلمياً.
يعود تاريخ
حلب إلى القرن
العشرين قبل الميلاد،
عندما نشأت فيها مملكة
عمورية عرفت باسم
يمحاض، وكان لها
علاقات ودية
مع مملكة ماري
وقطنا وكركميش. وفي
نهاية القرن السابع عشر
قبل الميلاد دمر
الملك الحثي مرشيل
حلب عند استيلائه على
شمال سورية؛ ثم
تناوب عليها الحثيون
والميتانيون
قبل أن تستقر تحت
السيطرة الحثية سنة
1430 ق.م، ولم
تنتهِ هذه السيطرة إلا
بنهاية سيطرة الحثيين
على الأناضول في
القرن الثالث
عشر ق.م.
بعد ذلك
بسط كل من
الآراميين والآشوريين والفرس
نفوذهم على منطقتها دون
أن يعطوا المدينة
أهمية تذكر، واستمرت
كذلك، إلى أن قامت
الدولة السلوقية، عندما
بنى سلوقس نيكاتور
الأول في موقع حلب
مستعمرة مقدونية أطلق
عليها اسم «بيرويا
»، ورغم عدم أهميتها
الاستراتيجية
لدى السلوقيين، إلا
أن المدينة الناشئة استفادت من
ازدهار المدن الرئيسة
كأنطاكية وأفاميا واللاذقية وسلوقيا لتصبح
مركزا تجاريا هاما
في شمال وشرق
سورية.
استولى الرومان
على بلاد الشام
سنة 64 ق.م،
حيث نعمت حلب بحقبة
طويلة من السلم
تحت سلطتهم، وأنشأ
الرومان فيها أسواقاً وساحة
عامة واسعة وشارعا
عريضا له رواق
بأعمدة من الجانبين. استمر ازدهار المدينة
في العهد البيزنطي
حيث وُجدت فيها
طائفة مسيحية
كبيرة قديمة العهد،
كما استقر فيها
الكثير من اليهود وغيرهم،
وذلك لتمتع المدينة
بحياة اقتصادية ناجحة
ومزدهرة.
شكل الغزو
الفارسي سنة 540 م
ضربة قاصمة لحلب،
فقد أحرق الفرس المدينة،
ولكن القلعة التي
لجأ إليها الأهالي
ثبتت لهجمات
الغزاة. أعاد الإمبراطور
جوستينيان الأول بناء
مواقعها الدفاعية،
وبنى فيها كاتدرائية
جميلة، ولكن تهديد
الفرس المستمر
حال دون ازدهار
المدينة من جديد.
قلعة حلب |
في عام
16 ه/ 637 م وصلت
قوات المسلمين بقيادة
أبي عبيدة بن الجراح
إلى ضواحي حلب،
فحاصرتها، ولم يلبث
أهلها أن طلبوا الصلح
والأمان فأعطوا ذلك.
أضيفت حلب وقنسرين إلى
جند حمص، عند
تقسيم الشام إلى
أجناد على يد
الخليفة عمر
بن الخطاب؛ ولم
يكن لحلب شأن
إداري وسياسي في
العهد الأموي،
رغم أن ابن
العديم يذكر أن
الخليفة سليمان بن
عبد الملك بنى أول
مسجد جامع في
حلب، ويحكى أنه
كان يضاهي مسجد دمشق
من حيث روعة
زخارفه ونقوشه وأن
الخليفة جهد أن يكون
معادلاً لعمل أخيه
في دمشق. وبانتقال
الحكم إلى العباسيين فقدت
دمشق مكانتها كعاصمة
للدولة الإسلامية وتراجعت اقتصادياً، ولكن
حلب بدأت أهميتها
تزداد شيئاً فشيئاً
حتى صارت حلب من
أهم مدن شمال
سورية في العصر
العباسي. وفي النصف الثاني
من القرن الثالث
الهجري ضمها أحمد
بن طولون إلى ولايته
المصرية، ثم عادت
حلب تابعة للخليفة
سنة 284 ه. وفي
عام 325 ه/ 936 م
دخلت الشام بما
فيها حلب ضمن
أعمال والي مصر المعروف بالإخشيدي.
الجامع الأموي الكبير في حلب |
عادت أهمية
حلب من جديد
مع دخول سيف
الدولة إليها عام333
ه/ 944 م. أصبحت
حلب مركزاً لإمارة
الحمدانيين الذين امتد حكمهم
في الفترة 394 - 333 ه/
1003 - 944 م، وغدت
أهم مدينة في شمالي
الشام، كما شغل
سيف الدولة نفسه
في الجهاد ضد الإمبراطورية المتعاظمة
القوة، وتمكن نقفور
سنة 351 ه/ 962 م من الاستيلاء
على مدينة حلب
دون قلعتها، ونهب
المدينة وقتل الناس وأحرق
المساجد، وجمع كميات
كبيرة من الغنائم
وأعداداً كبيرة
من الأسرى، ثم
تراجع إلى بلاده.
استمر أمراء حلب
بدفع الجزية
أيام الدولة المرداسية
1079 - 1023 م
ولكن المدينة عادت وازدهرت
نتيجة للنشاط التجاري
المتوسع، حيث كانت
تمر فيها تجارة الشام
والروم وديار بكرومصر
والعراق، مما أدى
إلى انتشار الثراء والرخاء
في المدينة.
استولى عماد
الدين زنكي صاحب
الموصل على حلب
سنة522 ه، فأعاد
إليها الأمن والاستقرار،
ووسع ابن عماد
الدين رقعة دولته بضم
حماة وحمص وبعلبك،
خلفه انور الدين محمود
في حكم الموصل
وحلب وملحقاتها. وجعل
من حلب مدينة مزدهرة،
فأعاد بناء الأسوار،
ورمّم القلعة والجامع
الكبير، وأعاد بناء الأسواق
وأصلح الأقنية وبنى
فيها بيمارستاناً وداراً
للعدل، وعدداً
من المدارس التي
عهد بالتدريس فيها
إلى فقهاء الأحناف والشافعية. احتل
العثمانيون حلب بعد
معركة مرج دابق
سنة922 ه/ 1516 م،
وبقيت عاصمة كما
كانت عليه أيام
المماليك.
عانت حلب
كغيرها في عهد
العثمانيين من ثقل
الضرائب والمشاكل
المتأتية عن ظلم
العثمانيين وفرقهم العسكرية،
ومع ذلك حافظت على
أهميتها التجارية، وتطورت
بحيث غدت في
وقت من الأوقات السوق
الرئيسة للشرق كله.
ولكنها بدأت بالتراجع منذ
عام 1775 م بسبب
فساد الإدارة، وحدوث
زلزال عام 1822 م الذي هدم
الجزء الأكبر من
المدينة، وتغير طرق
التجارة العالمية وفقدان الشرق
الكثير من أهميته.
استولى المصريون
على حلب من
عام 1831 إلى عام
1839 ، وأثقل
إبراهيم باشا كاهل
المدينة بالضرائب التي
فرضها لصالح جيوشه، وبنظام
الاحتكار الذي أدخله
عليها، ومع ذلك
فإن هذه الفترة مهدت
لحدوث تغيرات فعالة
في النصف الثاني
من القرن التاسع عشر
على الأوضاع الاجتماعية
والإدارية والحياة
الاقتصادية، واتصلت حلب
بحماة ودمشق بخط
حديدي سنة1906 م
وباسطنبول وأوروبا سنة
1912 م
بقطار الشرق السريع.
بقيت حلب
تابعة للسلطنة العثمانية
حتى نهاية الحرب العالمية
الأولى 1918 . ويحتل القسم
القديم من المدينة
الجزء المنخفض
الذي يتوسط المدينة،
ويعكس بما يضم
من معالم الطابع التاريخي
لها، إن أكثر
الأبنية فيها مبنية
بالحجارة الحلبية
المشهورة بلونها الأشهب،
الذي يُنسب إليه،
كما يقال اسم حلب
الشهباء.إضافة إلى
الأسواق المغطاة الشبيهة
بأسواق دمشق
القديمة، يضم هذا
القسم القديم كلاً
من الأحياء التالية: الكلاسة، باب النيرب،
المشارقة، قسطل الحجارين،
والسويقة. وجميعها
تشترك بشكل أزقتها
الضيقة وبيوتها المتلاصقة
ذات الشرفات
المستورة والواجهات الخشبية
التي تتم الإطلالة
منها على الخارج عبر
نوافذ صغيرة. إن
الازدهار التجاري الذي
تمتعت به حلب مدة
طويلة تجلى في
ازدياد عدد أسواقها
وخاناتها التي بنيت لإقامة
التجار الأجانب، وهذه
الخانات العثمانية لا
تزال محافظة
على بنيانها.
أسواق حلب القديمة |
وقد أولى
الولاة اهتماماً كبيراً
ببناء المدارس والمساجد
الكبيرة وفق
الأسلوب الهندسي الاستانبولي،
كجامع خسرو باشا
وجامع بهرام
باشا والمدرسة الأحمدية
والمدرسة الشعبانية ومدرسة عثمان
باشا.
المدرسة الأحمدية في حلب |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق