تقع هذه
المدينة الأثرية في
البادية وسط سورية
على ارتفاع يتراوح بين
400 حتى
1400 م،
وتبعد عن دمشق
مسافة 240 كم.
استوطن
الانسان واحة تدمر وحول ينابيعها في الالف السادس قبل الميلاد وقد أظهرت التقنيات
في معبد بل وسط تدمر دلالات استيطان في تدمر إلى الألفين السابع والسادس قبل
الميلاد.
تدمر
في عصور ما قبل التاريخ
كان
المنخفض القائم إلى الجنوب الشرقي من موقع تدمر، والمعروف باسم الملاّحة، بحيرة
واسعة عذبة في العصر الحجري القديم، ترتادها الطرائد التي كان يقتات منها الإنسان
القديم، والذي كان يأوي إلى الجبال المجاورة. وقد ترك لنا أدواته الحجرية في جرف
العجلة والثنية البيضا والدوّارة، ولاسيما من النموذج الموستيري، الذي يرقى إلى
قرابة 75 ألف عام.
وقد
وجد الباحثون شواهد من العصر الحجري الحديث في الأكمات المجاورة للنبع والواحة،
وهي ترقى للألف السابع قبل الميلاد. وثمة شواهد من أزمنة أكثر حداثة في التل
الأثري الذي يقوم عليه معبد بل.
معبد بل |
أدت
أعمال التنقيب في التل المذكور إلى اكتشاف فخار سوري من أواخر العصر المعروف باسم
البرونز القديم في حدود 2200 إلى 2100 ق.م. لكن أقدم نصوص تذكر تدمر باسمها الحالي
وجدت في مستعمرة كانيش الآشورية (كولتبة) بمقاطعة كبادوكية في الأناضول. وهي من
مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وتليها نصوص عثر عليها في مدينة ماري (تل الحريري
على الفرات) تعود للقرن التاسع عشر قبل الميلاد، وأخرى من إيمار (مسكنة على
الفرات) من القرن الرابع عشر قبل الميلاد. كما ذكرت تدمر باسمها الحالي أيضاً في
حوليات الملك الآشوري تغلات بيلاصّر الذي عاش في القرن الحادي عشر قبل الميلاد
(1112-1074 ق.م).
تدمر
أيام السلوقيين والرومان
لا
يوجد الكثير مما نعرفه عن تدمر في زمن الدولة البابلية الحديثة (الكلدانية 612 -
539 ق.م) أو في أيام الدولة الأخمينية (الفارسية 538 – 333 ق.م) لكن من المؤكد
أنها كانت مدينة مهمة في العصر السلوقي (312 – 64 ق.م.).
ظلت
تدمر إمارة عربية ذات حكم ذاتي طوال عصر الدولة السلوقية في بلاد الشام، شأنها في
ذلك شأن إمارة حمص ومملكة الأنباط في بترا والإيتوريين في لبنان وغيرهم. ويذكر
المؤرخ بوليبيوس اشتراك أمي يحمل اسماً تدمرياً هو «زبديبل» مع عشرة آلاف عربي
بنصرة السلوقيين على البطالمة في معركة رفح (217 ق.م).
احتفظت
تدمر باستقلالها بعد احتلال الرومان لسورية عام 64 ق.م، وفقاً لكتابات المؤرخين
بلينيوس الأكبر وأبيانوس، اللذين يذكران أهمية دورها التجاري بين الفرس والرومان.
وتم إلحاق تدمر بالإمبراطورية الرومانية في أواسط القرن الأول الميلادي، ثم اشتركت
اشتراكاً فعالاً في مشروعات الدولة الرومانية، وقام رماتها ومختلف قواتها بحماية
حدودها من الصحارى العربية حتى حوض الدانوب وشمال إنكلترة، وانتقل لها دور البتراء
التجاري بعد سقوط دولة الأنباط عام 106م.
منح
الإمبراطور هادريان (117-138م) تدمر وضع المدينة الحرة، الذي يؤهلها لسن قوانينها
وتحديد رسومها. ونشطت نشاطاً واسعاً في كل النواحي، ولاسيما في ميدان اقتصاد
القوافل والتوسع التجاري والمعماري والفني، وأعطاها الإمبراطور كركلا من السلالة
السيفيرية صفة المستعمرة الرومانية في عام 212م، عندما منح المواطنية الرومانية
لجميع السكان الأحرار في الإمبراطورية.
كان
من نتائج صعود السلالة الساسانية في فارس ووصولها إلى الفرات عام 228م، فقدان تدمر
لسيطرتها على الطرق التجارية المارة في شط العرب والخليج العربي مما أدى لتعرضها
إلى مصاعب مالية كبيرة، لم تستطع حتى روما أن تساعدها في التخلص منها، إلى أن قام
حاكم الولاية السورية الملك العربي أذينة الذي بدأ حكمه عام 258م بقهر الفرس، ورد
قواتهم مرتين إلى عاصمتهم المدائن (طيسفون) في عامي 262م و 267م، وقد تمتع أذينة
بكل الألقاب الرفيعة اللائقة، حيث أصبح الحاكم العام في عهد الإمبراطور فاليريان،
وحصل على لقب «مصلح الشرق كله» ولقب «ملك الملوك».
بعد
مقتل أذينة وولي عهده هيروديان في ظروف غامضة عام 267 أو 268م، قامت زوجته زنوبيا
بالوصاية على ابنهما وهب اللات واتخذت معه ألقاب الأباطرة، واحتلت مصر والأناضول
إضافة إلى بلاد الشام، إلا أن ذلك وضعها في حالة صدام مع الإمبراطور الروماني
أورليان، الذي سقطت تدمر بيده عام 272م، وتم أسر الملكة العربية. وقد ظل مصيرها
موضع خلاف بين المؤرخين ولكنها تركت قصة حياة رائعة دخلت ميدان الأسطورة.
تدمر
بعد زنوبيا:
كانت
المسيحية قد رسخت في تدمر في القرن الرابع الميلادي، ولمّا أغلقت المعابد الوثنية
زمن الإمبراطور تيودوسيوس في نهاية ذلك القرن، تم تحويل الهياكل الرئيسية في معبد
بل ومعبد بعلشمين وغيرهما إلى كنائس. وفي أواخر القرن الخامس والقرن السادس
الميلادي كانت تدمر إحدى مراكز الغسانيين حلفاء دولة الروم. وقد روى المؤرخ
بروكوبيوس أن الإمبراطور البيزنطي جستينيان (527-565م) سعى لتدعيم أسوار تدمر
بإضافة أبراج مستديرة لها، كما تم في عهده إصلاح شبكة المياه.
وفي
العام 634م فتح خالد بن الوليد (قائد الجيوش الإسلامية) تدمر سلماً، واستعادت تدمر
في ظل الأمويين قدراً من أهيمتها السابقة، ثم أهملت زمن الخلافة العباسية.
في
بداية القرن الحادي عشر أصابها زلزل عظيم هدم أبنيتها ومات تحت الأنقاض قسم من
سكانها. ثم نهضت المدينة من جديد أيام البوريين، أتابكة دمشق في القرن الثاني عشر
الميلادي والأيوبيين في القرنين الثاني عشر والثالث عشر الميلادي حتى أيام
المماليك في القرن الثالث عشر الميلادي واستمر ذلك إلى القرن الخامس عشر الميلادي.
وفي تلك الأيام صار معبد بل الحصن الذي يضم معظم البلدة وغدا هيكله المركزي مسجداً
جامعاً، حيث يشيد ابن فضل الله العمري في القرن الرابع عشر الميلادي ببيوت تدمر
وبساتينها وتجارتها.
وتسارع
سوء حال تدمر أيام العثمانيين (1516-1919م)، وآل أمرها إلى قرية تعاني غزوات
البدو. أما القلعة التي تشرف على تدمر، وتسمى باسم القلعة العربية فيعتقد أن
بانيها هو فخر الدين المعني (1595-1634م) مع خلاف حول ذلك.
وقد
نهضت تدمر بعد استقلال سورية ونشأت مدينة جديدة صممت على شكل مخطط شطرنجي شمال شرق
المدينة الأثرية، حيث عادت هذه المدينة من جديد لتكون سيدة البادية وعقدة أساسية
في مواصلاتها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق